السبت، 21 فبراير 2015

عجز



جالساً في مكانه المعتاد، مكتئباً كعادته، واضعاً قدمه المصابة على كرسي أمامه، أخذ يفكر في حالته والأحداث التي أدت إليه.
لم يكن لديه شيء آخر يفعله سوى التفكير، مرت ثلاثة أشهر منذ الحادث الذي نجا منه بمعجزة حقيقية لم يتمناها بل على العكس، كم كان يتمنى أن تنتهي حياته في ذلك اليوم، بدلاً من تحمل آلام الجسد وآلام العجز.
ها هو الشاب ذو الستة وعشرين عاماً يجلس عاجزاً في غرفته بينما أخاه الأصغر الطالب اضطر إلى العمل بجانب دراسته ليتحمل الأعباء المادية لكليهما.
كان يشعر بالشفقة تجاه أخيه، بالتأكيد كانت حياته ستصبح أفضل لو اختفى هو منها، فبعد وفاة أبيهم بدلاً من أن يكون هو سنداً له جاء هذا الحادث ليقلب الأمور رأساً على عقب، بدلاً من أن يعول هو أخيه الطالب انعكست الآية ليصبح هو من يحتاج إلى من يعوله.
فكر في البحث عن عمل ولكنه ما لبث أن أزاح الفكرة جانباً بعد أن تخيل نفسه داخلاً على صاحب العمل متكئاً على عكازه، كان من المفترض أن يبدأ مرحلة العلاج الطبيعي منذ شهر ولكنهم في غنى عن المزيد من الأعباء المادية.
ولكن لابد من وجود حل فلا يمكن أن يقضي ما تبقى له من عمره مقعداً في انتظار الصدقة من أخيه، تلك الصدقة التي لن تستمر إلى الأبد ففي النهاية سيحتاج أخاه إلى أن تكون له حياته الخاصة وأن يتزوج، مثله مثل الجميع.
قام بصعوبة بالغة متكئاً على عكازيه وتوجه نحو جهاز الكمبيوتر وقام بتشغيله وذهب في رحلته الاضطرارية إلى الحمام، تلك الرحلة التي أصبحت مغامرة متكاملة منذ إصابته.
عاد إلى جهاز الكمبيوتر وجلس متألماً، دخل إلى الإنترنت وقرر أن يتفقد بريده الإلكتروني الذي لم يتفقده منذ شهور.
وجد مئات الرسائل الجديدة، بدأ في تفقدها بسأم ماسحاً الرسائل مجهولة المصدر وفجأة انتفض كمن تعرض لصاعقة كهربية، ففي وسط تلك الرسائل وجد رسالة منها.
هيَ التي حاول جاهدا نسيانها - وإن فشل - ولكنه كان يزيحها عنوة عن تفكيره كلما ضبط نفسه متلبسا بالتفكير فيها، كانت العلاقة بينهما في غاية الصعوبة عندما كان سليماً معافى والآن بعد أن أصبح عاجزاً باتت تلك العلاقة مستحيلة.
كانت قد تركته فجأة وبدون مقدمات منذ ما يزيد عن الستة أشهر، كم شعر بالتعاسة حينها ولكنه ما لبث أن تبين صواب قرارها الحكيم، ففراقهم كان محتوما، ولكن يبدو أن الحكمة قد تخلت عنها وها هي ترسل له رسالة جديدة لا يجد في نفسه القدرة حتى على فتحها وقراءتها.
لا لن يقرأها، هو متأكد أن قراءة تلك الرسالة ستزيد من تعاسته.
لا لن يقرأها، إذا تحسن حاله يوما ما ربما يقرأها وربما لا يفعل.
فحينها سيكون قد فات الآوان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق