الاثنين، 25 أغسطس 2014

الفريسة



اهرب!
حقا لا يعرف إلى أين يذهب، كل ما يعرفه أنه يجب أن يهرب.
هناك من يطارده، وها هو قد تحول إلى فريسة تنتظر انقضاض الصياد.
استند إلى جدار متسخ وجده إلى جواره..
التقط أنفاسه بصعوبة بالغة..
شعر بغثيان وبحاجة ماسة إلى أن يتقيأ..
ولكن لا وقت لهذه الرفاهية، فالصياد يستعد للانقضاض في أي لحظة.
لا يملك حتى الوقت ليفكر ويتذكر كيف أصبح في هذا الوضع المزري.
المهم الآن هو الفرار، وبعدها يمكنه التفكير كما يحب، هذا إن نجح فى الفرار.
عاد إلى العدو مرة أخرى وقد شعر ببعض الطاقة تعود إليه بعد لحظات توقفه الأخيرة.
مشكلته أنه لا يعرف أين يتجه، لا يعرف المكان من الأساس، ويشعر أن كل خطوة يخطوها تجعله يندفع اندفاعا إلى فخٍ محكم لا مخرج منه.
ولكنه لا يملك ترف التوقف أو التفكير، فقط يعدو ويعدو، يصطدم بأشياء كثيرة لا يعرف كنهها ولكنه لن يضيع وقتاً ثميناً للتعرف عليها.
كان يعدو بشوارع ضيقة إلى حد خانق ويشعر أن الخناق يزداد عليه لحظة بعد لحظة، ومع ذلك استمر في العدو، فلا شيء آخر يمكنه فعله.
آخر ما يمكنه التفكير فيه الآن هو الوقوف ومواجهة ما يطارده، حقاً هو لم ير ما يطارده، وحقاً لا يريد أن يراه.

وفجأة تحققت أسوأ كوابيسه، فأمامه مباشرة كان هناك جدار ضخم يسد عليه طريق الفرار، ولم يعد لديه أي فرصة للنجاة.

الخميس، 7 أغسطس 2014

التائه



وقف شارداً يراقب لوحة مواعيد القطارات المغادرة، لم يحدد بعد وجهته المقبلة، ولم يكن هذا يشغل باله.

دائماً ما يقف في نفس المكان يراقب اللوحة بنصف تركيز منتظراً إشارة ما تساعده على اختيار وجهته المقبلة. 

ظل واقفا لما يزيد عن الساعة وفجأة انطلق مثل جسد ميت دبت به الحياة فجأة ليلحق بقطار الساعة الحادية عشرة مساءاً الذى بدأ بالفعل في التحرك. 

وقف في مكانه المفضل بين العربات وأشعل سيجارة متأملاً الطريق المظلم من زجاج الباب الذي يستند إليه بكتفه الأيمن.

كان هذا هو الجزء المفضل لديه من الرحلة، حيث يقبع بجوار الباب يدخن بشراهة ويراقب الظلام متخيلاً ما قد يكون هناك، تاركا ذكرياته وراء ظهره.

مر عليه عام على هذا المنوال، يسافر إلى مكان جديد يقضي به وقتاً لا يسمح له بعمل آية علاقات اجتماعية حقيقية، يقضي وقته في التسكع والاستمتاع بعمل اللا شيء، باعداً عن تفكيره ذكريات حياته السابقة.

مشكلته الآن أنه ذهب إلى جميع الأماكن المتاحة، فميزانيته المحدودة تجبره على الاختيار بين أماكن محدودة، بالإضافة إلى أنه ليست جميع الأماكن ترحب بالغرباء، حتى أنه اضطر في بعض الأماكن المبيت بمحطة القطار لانتظار أول قطار يغادر هذه الأماكن. 

عام مر على الهروب ولم يتمكن من دفن الذكريات التي تقتله قتلاً، وقريباً سيضطر إلى العودة إلى حياته العادية ليس فقط لعدم وجود أماكن جديدة يمكنه زيارتها ولكن أيضاً لأن مدخراته قد قاربت على النفاذ.

أفاق من شروده عندما شعر بأن القطار يهديء من سرعته، نظر إلى الخارج حيث الظلام الدامس محاولاً معرفة المكان ولكنه لم يتمكن من رؤية أى شيء.

توقف القطار تماماً، حاول مجدداً رؤية أى شيء في الخارج ولكن الظلام جعل محاولته بلا جدوى.

ظل القطار واقفاً لفترة طويلة، أراد أن يدخل إلى إحدى العربات ليستفسر من الركاب عن هذا المكان وربما يقابل المحصل ويسأله عن سبب التوقف و لكن هذا الفعل بدا له اجتماعيا أكثر مما يحتمل..

وبعد تردد فتح الباب.. وترجل من القطار..

تحت المطر



كانت مياه الأمطار تضربه بعنف وهو يتأمل مياه المحيط الثائر ويتمسك بالسور الخشبي الذي يفصله عن الشاطئ ويراقب المياه التي ترتد عن يديه بقوة ويبتسم.

دائماً ما كان يحب الأمطار، بالرغم من أنها لا تمطر كثيراً من حيث جاء، وعندما تمطر لا تمطر بهذا العنف، ولكنه كان يشعر بسعادة طفولية وهو يقف وحيداً تحت الأمطار يتأمل الأمواج الهادرة للمحيط الهاديء ويفكر كم هو بعيد الآن عن بلده.

كان دائما ما يشتاق إلى وطنه عندما يسافر لفترة تزيد عن الأسبوع ولكنه في تلك المرة لم يشعر بأى نوع من أنواع الحنين أو الاشتياق بل على العكس كان يشعر بالأسف لاقتراب عودته مرة أخرى إلى بلده.

وقتها تيقن أنه قد تغير كثيراً، وأن أحداث العامين الماضيين تركت آثارهما عليه، وهذا منطقي بالتأكيد فما حدث في العاميين السابقيين من أحداث سواءً على المستوى الشخصي أو المستوى العام قادرة على تغييره تغيراً جذرياً .

إنه يشبه إلى حدٍ كبير المكان الذى يقف فيه الآن، هذا المكان الذى تضربه الأمطار بقوة وعنف، بعد توقف الأمطار بمدة كافية سيعود المكان ليبدو مثلما كان في السابق ولكنه في الواقع سيكون قد تغير تغيراً جذرياً.

عاد ليتأمل الصراع بين مياه الأمواج ومياه الأمطار وتمتم قائلا " آه لو كان بإمكان الأمطار أن تمحو الأحزان والهموم، آه لو كانت كل هذه المياه قادرة على أن تسقى حبوب الأمل من جديد في قلبى " 
ولكن هذا لا يهم الآن..

لأنه الآن سعيد.