الجمعة، 29 أبريل 2016

ضمور



شلل أطفال وضمور في عضلات الساقين.

هذا ما أخبرتني به أمي عندما سألتها عن مرضي. ليس من عادة أمي استخدام تلك الكلمات فلم أفهمها وأظن أن أحدهم قد أخبرها بهذه العبارة فحفظتها لتخبرني بها فيما بعد.

قضيت طفولتي حبيس غرفتنا التي تقع في قبو إحدى البنايات المتهالكة. أمي تذهب إلى العمل الذي لم أتمكن يومًا من معرفته وتتركني حبيس الغرفة الضيقة.

تسليتي الوحيدة كانت النظر من النافذة المرتفعة.. أتعلق في الحديد بكلتا يدي وأراقب الأرجل التي تمر من أمامي، أرجل لا يعاني أصحابها من ضمور مثلي.

بعد أن كبرت قليلًا، سمحت لي أمي بالخروج أثناء عدم تواجدها. كنت أجلس قبالة البيت على ورق مقوى أحضره لي أحدهم، وأقضي الوقت في متابعة بقية الأطفال وهم يلهون ويمرحون أحيانًا ويتقاتلون في أحيان أخرى.

لم أذهب إلى المدرسة ولا أعرف شيئًا عن القراءة مثلي مثل أمي، وأبي كذلك كما أظن، وإنْ كنت لا أعرف يقيناً فلم أره يومًا.

سألت أمي عنه ذات مرة فأخبرتني أنه تركنا ورحل، إلى أين، لا تعرف.. فقط هجرنا، أو إذا أردنا توخي الدقة فقد هجرها هيَ فأنا لم أكن سوى جنينًا في رحمها.

كما أخبرتكم لم أستطع أن أعرف ما هو عمل أمي الذي تأتي منه منهكة تمامًا، كل ما عرفته أنه عمل يستنزف طاقتها. سمعت الجارة تلومها مرارًا لأنها تنهك قواها بلا داعي ويمكننا أن نأكل الشهد، على حد قولها.

كانت أمي دومًا ما تتجاهل لوم الجارة وتلميحاتها، ولكنها ذات مرة لم تستطع الصمت فانفجرت صارخة: لن يكون ابني متسولًا.

تلك كانت أمنية أمي التي لم تتحقق للأسف، فبعد موتها لم أجد أمامي سوى التسول، فاتخذت منه مهنة، إذا اعتبرنا التسول مهنة.

بدأت بداية متعثرة ولكني مع الوقت اعتدت وتعلمت كيف يمكنني جني المال، وكيف يمكنني أن أتطور.

الآن بعد مرور عشر سنوات، يمكنني القول أنني أصبحت متسولًا محترفًا، أختار أماكن توقفي بحرفية تتيح لي جنى المال الذي يكفيني.

في مدخل شارع الثورة أمام دار المدفعية، مكاني الجديد، دائمًا ما يتوقف الطريق في هذه المنطقة، فأجوب بين السيارات بحثًا عن رزقي.

اليوم الجمعة والطرق خاوية إلى حدٍ ما، ولكنها فرصة لأن معظم منافسي لن يأتوا اليوم والرزق كله لي.. أجوب بين السيارات التي تتوقف للحظات وأرضى بالقليل الذي يُعطى لي ولا أحقد على من يتجاهلني، أو حتى يسبني.

تخونني قدمي أحيانًا، ولا أستطيع تمالك نفسي باستخدام العكاز وحده، فاستندت على أقرب سيارة لي، ولسوء حظي تحركت السيارة في هذه اللحظة، ففقدت توازني وسقطت أرضًا وسط الطريق.

قمت مسرعًا متجاهلًا ألمي والدم الذي يسيل من يدي، لألحق بالسيارة التي لا تزال متوقفة عسى أن يعطيني قائدها شيئًا.

استندت إلى سيارته وكلي أمل. نهرني على تهوري وتحرك فوقعت مرة أخرى لتأتي سيارة ثالثة وتُنهي كل مشاكلي.