الخميس، 15 يناير 2015

حالة



شاطيء منعزل
الساعة تقترب من الثالثة صباحاً، لا إضاءة سوى ضي القمر
الأمواج قوية والهواء منعش.

ها هو يظهر قادماً من بعيد يرتدي السواد كعادته.
يتوغل في الرمال حثيثاً تاركاً مسافة آمنة بينه وبين المياه خوفاً من البلل.
شعور بالسكينة يغمره
تاركاً العالم القبيح خلفه، يسير متمتعاً بجمال الليل والرمال والبحر.

لا صوت سوى السيمفونية الصادرة عن الأمواج.
متمنياً استمرار اللحظة إلى الأبد، نظر تجاه الأفق حيث اعتادت الشمس أن تشرق منذ الأزل وكأنه يرجوها أن تتمهل قليلاً.

أفاق من شروده على صوت هاتفه، أخرجه من جيبه ونظر إلى الرقم الذي ارتبط في ذاكرته بمشاعر لم يألفها من قبل، مشاعر حب صافية لا تشوبها شائبة.

جاءه صوتها القادم من على بعد آلاف الأميال وإن شعر حضورها طاغياً وكأن روحها تحوم حوله في هذا المكان الساحر، حقاً لقد كان المكان ساحراً وله شخصيته الخاصة وكأنه يخطف روحيهما ليجمعهما معاً في تلك اللحظات الاستثنائية.

دام اللقاء وقتاً لا يجوز قياسه بالطرق التقليدية، وقتاً تم اختلاسه من زيف الواقع، كانت اللحظة تستمر إلى الأبد وفي نفس الوقت تمر مرور البرق في السحاب.

لحظات سعادة مثل تلك لا يمكن لها أن تستمر، حالة مثل هذه مقدراً لها أن تنتهي آجلاً أم عاجلاً، هكذا أخذ يفكر بعد أن انتهت المكالمة وجلس على الرمال محاولاً البقاء في هذا الحلم قدر استطاعته.

حقاً أنه حلم جميل، هو يعلم أنه حلم ومهما طال الوقت فلابد من أن يستيقظ في النهاية، ولكنه كأي شخص يحلم ولا يستطيع التفرقة بين الحلم والواقع بدا له الحلم أكثر واقعية من حياته الحقيقية وبدا الفراق بعيداً ومبتذلاً إلى حد بعيد.

طرد الأفكار السلبية من رأسه، متمسكاً بجمال اللحظة وتمدد شابكاً كفيه وراء رأسه، متأملاً النجوم المتألقة في الفضاء وتوحد تماماً مع مكونات المشهد.

رمال باردة، سماء صافية تمتليء بنجوم كحبات الماس، والبحر يضيف موسيقاه الخاصة جاعلاً المشهد متكاملاً بلا نقصان.

ظل على حاله حتى انتصرت الشمس أخيراً وبدأ ضوئها يتسلل بهدوء وثقة لتحل محل بقية النجوم وتلون الأفق بألوان زادت من سحر المشهد.

قام شاعراً بالقوة تملأ كيانه كله، أخذ شهيقاً عميقاً وأخرجه بهدوء: 
" لا شيء يمكنه إيقافي الآن "
قالها وهو يغادر المكان ممتلئاً بالثقة.