الجمعة، 20 فبراير 2015

رحلة قصيرة



كانت الدموع تملأ عينيه وهو يقف على جانب الطريق السريع.
كان الظلام دامساً في هذا الوقت، حيث تخطت الساعة الثالثة فجراً بنصف الساعة.

كانت نصف ساعة عاصفة. كان نائماً بعمق ليستيقظ فزعاً على صوت هاتفه المحمول ليأتيه صوت أخيه الأصغر الباكي ليخبره بموت أبيه:
" كان أبيك مريضاً جداً في المساء ولكنه رفض الذهاب إلى المستشفى وطلب مني الذهاب إلى النوم لأنه سيخلد إلى النوم هو الآخر. ذهبت إلى غرفتي ونمت قليلاً ثم شعرت بقلق مباغت فذهبت لتفقده فوجدته جالساً بسكون عجيب وعينيه مفتوحة قليلاً ورأسه مائله قليلاً نحو كتفه، حاولت إيقاظه ولكنه لم يتحرك، أسرعت إلى المستشفى القريب وأحضرت طبيب بعد معاناة وعدنا لنجده على حاله. فحصه الطبيب ثم أخبرني أنه توفى وذهب بعد أن أخبرني أن أذهب إليه صباحاً ليقوم بعمل شهادة وفاة له "

كانت هذه كلمات أخيه وسط البكاء والنحيب، لم يكن لديهم أقارب تقريباً، فأبيهم وأمهم المتوفية منذ خمسة عشر عاماً لم يكن ليديهما أية أخوة أو أخوات.

كان أخيه الصغير الذي لم يكمل بعد عامه العشرين يشعر بفزع وضياع ولا يعرف ما يمكن فعله في حالات مثل هذه.

طمأنه بكلمات مبعثرة وأخبره أنه سيتحرك على الفور وسيفعل ما بوسعه ليصل إليه سريعاً، وها هو يقف على الطريق السريع ينتظر أى سيارة تقله إلى وجهته أو إلى مكان يمكنه أن يجد فيه سيارة تسافر به إلى القاهرة.

كانت السيارات العابرة قليلة جداً وتعبره بسرعة متجاهلة إشاراته مما أصابه باليأس، فبدأ يمشي بجانب الطريق مع الاستمرار في التلويح للسيارات العابرة آملا أن تتوقف له إحداهم.

مشي لمدة نصف ساعة تقريباً قبل أن تتوقف له سيارة حديثة لم يتبين نوعها أو أرقامها في الظلام، وجد داخلها شابا في مثل عمره يبدو أجنبيا قليلا، وبعربية متعثرة قليلاً قال له:

- إلى أين تذهب في هذا الوقت؟

- شكراً لتوقفك، أريد أن أذهب إلى القاهرة، والدي قد توفى منذ قليل، ويجب أن أعود سريعاً، أنا مهندس وأعمل بإحدى المشروعات هنا.

هكذا أجابه وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة.

تعاطف الشاب معه. فتح له الباب ودعاه للركوب، لينطلق مسرعاً ويخبره أنه كان متوجهاً إلى الإسكندرية ولكن هذا ليس مهماً فلا شيء مهم ينتظره هناك على أية حال وسيذهب به إلى القاهرة وسيصل به حتى بيته أيضا.

شكره بحرارة، ثم قال:

- لا تبدو مصريا، كذلك لغتك العربية متعثرة قليلاً.

ابتسم له وقال:
-  لست مصريا فعلاً، أنا أمريكي ولكني أعيش هنا منذ ست سنوات تقريبا.

-  حقاً، أشكرك مرة آخرى، وأسف أنني أفسدت مشاريعك.

-  لا عليك، فليس لدي أمر هام.

كان الطريق خالياً تقريباً مما ساعده على الانطلاق بسرعة كبيرة وما لبث بعد دقائق أن انحرف إلى طريق العلمين - القاهرة ليطلق لسيارته العنان.

كان كلاهما غارقاً في أفكاره الخاصة، كلاهما كانا من النوع الهاديء الذي لا يتحدث كثيراً، وفجأة حدث صوت فرقعة قوية واهتزت السيارة بعنف ليضغط الأمريكي على المكابح بعنف ليزداد الأمر سوءً وتدور السيارة بعنف حول نفسها وهي تتجه بسرعة كبيرة إلى جانب الطريق وما أن وصلت إليه حتى انقلبت مراراً متوغلة داخل الصحراء لتستقر على جانبها الأيمن.

حدث الأمر في ثواني معدودة، مرت ببطء شديد عليهما وكأن الزمن قد توقف.

كان يراقب محاولاته المستميتة للسيطرة على السيارة وما أن بدأت السيارة في الانقلاب حتى بدأ يصطدم بأشياء لم يتبينها وبدأت الرؤية تتحول لومضات لا تزيد عن أجزاء من الثانية.

كان الأمريكي راقداً فوقه تماماً والدماء تملأ كل شيء.. دماء لا يعرف أهيَ دماءه أم دماء الأمريكي. 
كان يشعر بآلام في جميع أنحاء جسده والخدر يزحف حثيثاً نحو جسده والرؤية تزداد ضبابية إلى أن خبت نهائياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق