الأربعاء، 12 أغسطس 2015

غروب أخير


جلس على الصخرة البيضاء على شاطيء البحر المنعزل، وأخذ يراقب الأمواج شارداً تماماً.
كان الجو بارداً والسماء ملبدة بالغيوم ولم يتوقع رؤية الشمس مرة أخيرة، ولكنه لم يلق بالاً للأمر بالرغم من أنه أراد بشدة أن يشاهد غروباً أخيراً.
أحكم إغلاق سترته حول جسده النحيل وعيناه صوب البحر وعقله يسترجع ذكريات حياته منذ طفولته وحتى هذه اللحظة.. هذه اللحظة التي يوشك فيها أن يبلغ عامه الأربعين.
كان قد اتخذ قراراً وهو في الخامسة والعشرين من عمره وها هو الآن جاهزا لتنفيذه.
كان قد قرر أنه لو وصل لسن الأربعين ولم يستطع تحقيق أحلامه فلتتوقف حياته إذن عند هذا العمر.
وقتها فكر كثيراً في الأمر وتوصل أنه لو وصل إلا هذا العمر دون أن ينجح في تحقيق أحلامه فلن يستطيع تحقيقها فيما بعد، خاصة أن هذه الاحلام لن تصلح له بعد تخطيه الأربعين، ولذلك جاء إلى هذا المكان المنعزل على شاطيء البحر أملاً في رؤية غروب أخير يرافق غروبه الشخصي.
التفت حوله دون سبب واضح فرآها قادمة من بعيد.
متشحة بالسواد، وشعرها يتطاير بعنف بسبب الرياح القوية.
شعر بضيق.
أراد أن يقضي لحظاته الأخيرة وحيداً.. وحيداً كما كان دائماً.
اقتربت من موضعه وبدت له ملامحها للمرة الأولى.
فتاة رقيقة، هشة، نحيلة مثله.
لا يزيد عمرها عن الخامسة والعشرين بأي حال من الأحوال وبدا واضحاً على ملامحها عدم الارتياح لرؤيته هي الأخرى.
مرت من أمامه وأومأت برأسها محيية بطريقة لا تكاد تلاحظ، وجلست على صخرة أخرى على بعد خمسين متراً من صخرته.
ونظرت أمامها بشرود نحو أمواج البحر المتلاطمة والسحب المكدسة بالسماء.
تأملها لبعض الوقت بفضول.
تبدو حزينة ومتعبة، وعيناها تفيض بالألم.
عاد مجدداً إلى شروده، فاختلست هي بعض النظرات السريعة نحوه.
ظلا على حالهما بعض الوقت.
كلا منهما يختلس النظر نحو الأخر حتى التقت عيناهما فالتفتا مسرعين نحو البحر في خجل، ولكن كل شيء كان قد تغير.
بعد أن التقت عيناهما لم يعد باستطاعتهم ادعاء اللامبالاة، فقام من مكانه وتوجه إليها بخطوات ثقيلة مترددة.
- هل يمكنني الانضمام إليك؟
- لا بأس.
- هل تنوين الانتحار مثلي؟
نظرت له نظرة متشككة وأومأت برأسها.
- عرفت ذلك، هل يمكنني سؤالك عن الأسباب؟
- ليس لدي ما أعيش من أجله، وأنت؟
- اتخذت قراراً عندما كنت في مثل عمرك أن أنهي حياتي إن وصلت لسن الأربعين دون تحقيق أحلامي.
- وهل وصلت لسن الأربعين ؟
- سأصل بعد لحظات.
عادا مجدداً إلى شرودهما، وكلاهما مشاعره مختلطة تماماً، وعلى عكس المتوقع بدأت السحب تنسحب تدريجياً وبدأ ضوء الغروب الملون يظهر أمامهم باستحياء.
كان غروباً جميلاً.. أجمل مما تمناه كل منهما.
نظرا إلى بعضهما مرة أخرى.. نظرة طويلة هذه المرة ثم أمسك يدها برفق.
- هيا بنا.
- إلى أين؟
- لا يهم.
قامت معه وسألته فجأة:
- ماذا كانت تلك الأحلام التي تود إنجازها؟
- لقد تحقق واحداً منهم للتو.
سارا معاً وكل منهما يمسك يد الأخر إلى أن اختفوا في الظلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق