الخميس، 7 أغسطس 2014

التائه



وقف شارداً يراقب لوحة مواعيد القطارات المغادرة، لم يحدد بعد وجهته المقبلة، ولم يكن هذا يشغل باله.

دائماً ما يقف في نفس المكان يراقب اللوحة بنصف تركيز منتظراً إشارة ما تساعده على اختيار وجهته المقبلة. 

ظل واقفا لما يزيد عن الساعة وفجأة انطلق مثل جسد ميت دبت به الحياة فجأة ليلحق بقطار الساعة الحادية عشرة مساءاً الذى بدأ بالفعل في التحرك. 

وقف في مكانه المفضل بين العربات وأشعل سيجارة متأملاً الطريق المظلم من زجاج الباب الذي يستند إليه بكتفه الأيمن.

كان هذا هو الجزء المفضل لديه من الرحلة، حيث يقبع بجوار الباب يدخن بشراهة ويراقب الظلام متخيلاً ما قد يكون هناك، تاركا ذكرياته وراء ظهره.

مر عليه عام على هذا المنوال، يسافر إلى مكان جديد يقضي به وقتاً لا يسمح له بعمل آية علاقات اجتماعية حقيقية، يقضي وقته في التسكع والاستمتاع بعمل اللا شيء، باعداً عن تفكيره ذكريات حياته السابقة.

مشكلته الآن أنه ذهب إلى جميع الأماكن المتاحة، فميزانيته المحدودة تجبره على الاختيار بين أماكن محدودة، بالإضافة إلى أنه ليست جميع الأماكن ترحب بالغرباء، حتى أنه اضطر في بعض الأماكن المبيت بمحطة القطار لانتظار أول قطار يغادر هذه الأماكن. 

عام مر على الهروب ولم يتمكن من دفن الذكريات التي تقتله قتلاً، وقريباً سيضطر إلى العودة إلى حياته العادية ليس فقط لعدم وجود أماكن جديدة يمكنه زيارتها ولكن أيضاً لأن مدخراته قد قاربت على النفاذ.

أفاق من شروده عندما شعر بأن القطار يهديء من سرعته، نظر إلى الخارج حيث الظلام الدامس محاولاً معرفة المكان ولكنه لم يتمكن من رؤية أى شيء.

توقف القطار تماماً، حاول مجدداً رؤية أى شيء في الخارج ولكن الظلام جعل محاولته بلا جدوى.

ظل القطار واقفاً لفترة طويلة، أراد أن يدخل إلى إحدى العربات ليستفسر من الركاب عن هذا المكان وربما يقابل المحصل ويسأله عن سبب التوقف و لكن هذا الفعل بدا له اجتماعيا أكثر مما يحتمل..

وبعد تردد فتح الباب.. وترجل من القطار..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق